تدوينة عيد ميلادى
لم أدرك قيمة المدونة لديّ إلا عندما أفقت في الصباح وكتبت اسمها على محرك البحث على الإنترنت ولم أجدها. شعرت بأن عشرين عامًا قد ضاعت من تاريخي. بدأت التدوين في 2005، ولا أعرف: هل سيحتفظ الإنترنت بالمدونة، ويمكن لابنتي أن تشاهد تناتيف من روحي وأحلام الفتاة التي كنتها؟
تخبرني صديقتي في الصباح أن كلمات عامي الجديد هي اللطف، والحكمة، والفرح. أعرف أنني جاهدت طوال حياتي وأخلصت للفرح. ربما في الأعوام القليلة الماضية عاندني، فتحايلت عليه ولاطفته حتى يمنحني بعضًا منه.
ثلاثة وأربعون عامًا أتمّها اليوم. تخبرني سلمى في الصباح أنها تحبني لأنني أفهمها وأعرّفها على نفسها وما تختبره من مشاعر جديدة على أبواب المراهقة. ويخبرني سليم أنه يحبني لأنني أشجعه وأفعل الأشياء التي تبهجه قبل أن يطلبها.
في الصباح، استقبلت رسائل عيد ميلادي. قالت لي أمي: "كل عام وأنتِ إلى الله أقرب." قررت ألا أغتاظ من العبارة الكليشيهية، وقلت: ألستُ أحبك يا الله وأتمنى أن يظل الحبل بيننا موصولًا؟ ألستُ أحاول طوال سنوات عمري أن أميز بين إرادتي وإرادتك؟ فلتكن أمنية أمي مباركة.
لم يهاتفني أبي في المساء كعادته، ولم يخبرني كم تعب ليختار هدية مميزة لعيد ميلادي. إنه هناك، بالقرب من بيتي، يرقد في مدافننا، لكن روحه هنا، تسكن قلبي.
على بالي يا حبيبي. منذ أيام كنت أحكي لصديقة عنك بالأمس وأخبرها أنك لم تسخر من أحلام مراهقتي أبدًا. في الخامسة عشرة، أخبرتك بثقة أن أحمد فؤاد نجم هو فتى أحلامي، وذلك بعد أن قرأت كتاب "الفاجومي". تخبرني بابتسامة واسعة: "هل رأيتِه؟" قلت: لا. فتأخذني إلى أمسية شعرية، فأغير رأيي وأختار محمود درويش فارسًا لأحلامي.
في الثانوية، كتبت مسرحية عن كليوباترا، فجلستني مع ناقدة مسرحية لأحكي لها ما كتبته. لا أعرف بما رشاها لتسمعني حتى النهاية ولا تسخر من مراهقتي.
أبي، أفتقدك، لكنك تسكن روحي.
بالأمس وضعت شجرة الكريسماس وظللت أفكر: متى سأخبر سلمى وسليم بعدم وجود بابا نويل؟ أجلت التفكير في ذلك واكتفيت بصخب أغاني الكريسماس معهما.
يسألني محمد: هل نخرج سويًا للغداء؟ أخبره أنني أريد الأكل في المنزل. فقط خروجة قصيرة وحدي في المول المجاور للبيت لأحتسي كابتشينو، وسأعود لنحتفل ونأكل أكلًا بيتيًا ونكتفي بتورتة في المساء.
أحب البيت. تسكنني جدرانه كما أسكنه. أستمع إلى فيروز وأستمتع بملمس السويت شيرت الذي اشتريته خصيصًا لعيد ميلادي، وبرائحة الكريم الذي أهدتني إياه صديقتي. وفقط... لا أريد أكثر من ذلك.
أخبرتني صديقتي منذ قليل أن كلمة "الثبات" تصفني في عيد ميلادي، وقالت ثباتي على البهجة، والإيمان، والفرح، وثبات الأمان رغم القلق.
هل قلت القلق؟ ذلك الزائر السخيف الذي أحايله بكل الطرق ليتركني أشعر بالأمان. ربما أكتب عنه يومًا كتابًا عن "كيف تحايل قلقك فتصادقه فلا يؤذيك."
المهم أنني كتبت تدوينة عيد ميلادي، وأنني الآن أشعر بالأمان والرضا.