ينتابنى الدفء بمجرد الدخول إلى رحم تلك الحجرة الصغيرة جدا التى أقطن فيها هنا ، الجو فى الخارج بارد جدا ، لكلمة بارد جدا معنى مختلف غير الذى أستخدمه عادة ، الجو غير محتمل ، كدت أشعر أكثر من مرة بأننى سأتجمد ولن أتحرك أبدا.
رغم الثلج الشديد والمشى المتصل والفسح والشوبنج ، أنزل تحت الدش الساخن ، أرتدى بيجامتى وشرابى وأدس نفسى تحت البطانية وأصنع شيئا غريبا ساخنا وأستخدم الكمبيوتر ، وأستمع إلى فيروز فأشعر بالدفء .
ذهبت فى الصباح إلى امستردام لكنها مدينة صاخبة لم تشعرنى سوى بلذة الشوبنج ، لم أستمتع فيها بالقدر الذى يدفعنى إلى التأمل ، أظن أننى أحببت دينهاج ، مدينة هادئة تدفعك إلى التأمل .
أتخيل اننى سكنت فيها ، وأصبح لدى بيت صغير كما تلك البيوت ذات الشبابيك الزجاجية التى أراها هنا ، واصبح لدى كلب صغير ، أظن أننى ساختاره كبيرا جدا ، منذ يومين رأيت كلب كبير بحجم الأسد ، لم أرى مثله فى حياتى ، ووقعت فى غرامه فورا .
اظننى سأمتلك مدفأة وبوتا صوفيا كما الذى أراه فى المحلات ، وسينطلق صوت فيروز أيضا ، وسيجلس الكلب بجوارى يستمع إلى فيروز .. لكنه كلب هولندى لن يفهم فيروز لكنه سيطرب لسماعها مثلى .
لكنى على كل لن أمتلك بيوتا فى هذه المدينة ، وسأعود فى مساء الغد إلى شقتى ولى لى التى تطرب لسماع فيروز ومحمود درويش .
الأمسيات هنا لطيفة جدا ، الأصحاب طيبون ، ذلك الصديق الفلسطينى وصديقته الفلسطينية منحانى مزيدا من الدفء وهم يحكون عن اصرارهم على العيش فى فلسطين رغم الحصار .
حكينا كثيرا ، حدثتهم عن رضوى عاشور ورواية الطنطورية ، وحدثونى عن رام الله والقدس . حدثنى سعيد الفلسطينى عن خطيبته التى يحبها كثيرا وسيتزوجها بعد شهر ، كان يقول أنها أجمل ما فى الخليل .
وحدثته عن زياد طفلى المنتظر ، ضحكت صديقته الفلسطينية عندما حكيت عن زياد وقالت " كيف بيصير عندك ولاد وما فى زلمه ، من وين بتجيبى الصبى؟"
لكن سعيد أكد عليها أن الله سيمنحنى زياد وحكى بالانجليزية التى يستخدمها كثيرا ما يعنى أنه يتمنى لى" زلمة منيح ".
فى نفس الأمسية أخبرتنى صديقتى المصرية أن عالمى ضيق وسالتى لماذا لا أتأمل سوى فى علاقتى بالأشياء ، أخبرتنى أن فى هولندا أشياء كثيرة على تأملها وأنها ستختبرنى فى الصباح وترى فى ماذا تأملت .
أظننى فى هذا المساء أسيرة لصوت محمود درويش فى قصيدة لاعب النرد ، ولصوت فيروز فى " أديش كان فى ناس" ولرائحة الثلج فى الخارج ومذاق الشىء الغريب الذى أحتسيه .