اللعب بالكلام
على الرغم من اننى لا أحب الصباحات التى تباغتنى فيها الاشياء باختفائها إلا أننى سعيدة رغم إنقطاع الانترنت .. ووجدتنى قد رتبت الصباح بما يكفى لإنجاز كل شىء .
منذ أيام وأنا أحاول الكتابة بحميمية ، لكننى أعجز.. أدخل على الإيميل فأجده وقد إمتلى بثلاثمائة رسالة جديدة كلهم من مجموعات مختلفة . احتجاح .. برامج أحزاب جديدة .. أخبار الفساد والمفسدين .. أخبار إعتصامات جديدة .
أهرب إلى الفايس بوك فأجد الرفاق جميعا منشغلون بالوطن الجديد ، فأخجل من الكتابة عن نفسى وأتخيل من يقول " رضوى اتهبلت .. ده وقته " لكننى بحاجه إلى الكتابة رغم كل شىء .
كنت قد قررت أن هذا العام عاما للرواية ، سأكتب رواية ، وبدأت أكتشف أننى أحب الرواية وليس القصة القصيرة .
تاريخ إهتمامى بالرواية يرجع إلى الطفولة حيث نسج الحكايات المتخيلة ، أتذكر أننى عوقبت لأكثر من مرة للكذب ، وإختلاق وقائع لم تحدث ، فى السنة الثانية الابتدائية جاءت أم زميلتى لتشكونى إلى مديرة المدرسة وتطلب لقاء تلك البنت ذات الخيال الواسع التى رعبت إبنتها ودفعتها لعدم دخول حجرتها لخوفها من وجود الجنى الذى رأته صديقتها وتحاورت معه .
وفى الصف الخامس أقنعت صديقاتى أن هذا اليوم هو الأخير لى لأننى سأنتحر بعد حصولى على كحكة فى الشهادة ، وكتبت خطاب لوالدتى أعتذر فيه عن الحياة ، وظللت قرابة ساعتين أنسج قصة ما بعد موتى وحال أمى وأبى بعد مماتى إلى أن أيقظتنى مشرفة الاتوبيس المدرسى عند البيت .
وفى الثانوى كنت أعيش قصص حب وهمى وعائلة لم تكن لى ، أقنعت صديقاتى فى المدرسة أن لى أخ وأننا عائلة كبيرة تتكون من ولدين وبنتين وأننى الصغرى ، وكنت أحكى باستمتاع حقيقي عن أصدقائى الأولاد وحكايات حب لم تحدث أبدا .
كانت أكثر ساعات استمتاعى هى اللحظات التى أغوص فيها منسية فى حجرة المكتب لأتابع فى ذهنى أحداث الأيام المتخيلة .
كل ذلك قفز فى ذهنى منذ يومين عندما كنت وأصدقاء العمل فى الاسكندرية كنا أربع بنات وزميلين ، فى الفندق اعتقدوا أنى متزوجة من أحدهم لأننا كنا نتناول الفطور معا ، على الرغم من أننى مسلمة وهو مسيحى ومتزوج ، وعلى الرغم من أننا لا نقطن نفس الغرفة .. لكن هكذا ظلوا يعتقدون " الرجل الابيض والمدام بتاعته " هذا كان اسمنا .
ظللت أتخيل قصصى أنا والرجل الابيض معا ، كيف سنتناول فطورنا ونتناقش فى السياسة ، كيف سأعد الغذاء بسرعة بعد عودتى من العمل أنا والرجل الابيض .
سألتنى صديقتى بخبث " لولا انك مسلمه كان ينفع تتجوزوا..صح؟ " قلت لها " والله الرجل الأبيض مش بطال .. كنت هنبسط" أجابتنا صديقة آخرى بحكمة كبيرة " رضوى كانت هتنبسط مع أى حد " أنظر لها وكأننى أكتشف ذاتى للمرة الأولى ، بالفعل أنا أعيش فى عالم متخيل لا علاقة له بالواقع ، عندما أعيش مع زوج فأنا أحب ما فى خيالى ، أنسج قصصا متخيله ، أعيش رواية أقوم ببطولتها وأستغرق فيها .
إذن فالرواية أكثر ما سيفيدنى ، أكثر ما سيمتعنى هو كتابة ما أريده ، أنا الآن لا أكذب لكننى أحن إلى الكذب ببراءته ومتعته الفائقة ، الكذب يريد جمهورا يصدقه وينفعل معه ، ونحن أصبحنا كبارا بما يكفى ألا نكذب .