منذ وقت طويل وأنا لم أشعر بدفء صحبتي ، دائما ما ألهث
وراء أمومتي، طفلتي الجميلة وعرائسها ومفردات حياتها التى ترهقني بقدر محبتي لها .
يتيح لي القدر ساعة من الوحدة في مكان يضمنى برفق . لا
أنشغل بسواى وقطة أرادت أن تتونس بي ، هربت هى الأخرى من صخب طفلة صغيرة فى المنضدة
المجاورة وجاءت إلى وحدتي حيث فنجان القهوة وفطيرة تفاح صغيرة أرادت أن تقاسمني فيها
.
كلانا كان يدرك أنها فرصته الوحيدة . مكان صغير يضم
وحدتي وقهوتي وزرع أخضر طازج وقطة صغيرة تشعر باليتم .
قطتي الصغيرة هل تعرفين أننى فى الآونة الأخيرة أشعر
باليتم رغم كل المحيطين ؟!
يساورنى الشك أحيانا في قدرتي على صنع البهجة وتراودني
أفكار مزعجة بشأن الاستمتاع باللحظة الآنية ،فأشعر بالوحدة والرغبة فى الهروب
،لكننى لا أهرب وأتظلل بالصغيرة والحبيب لكن قلبي يريد استراحة ليشعر بالدفء، أهرب
فى بعض الأحيان إلى السينما وحيدة وأظل أحارب أفكاري حول الصغيرة وأطمئن نفسي أنها
بخير مع والدها .
أراقب الساعة الآن لأعرف كم يتبقى من الوقت ،أحاول ألا
أفعل وأغرق فى الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة ،صوت الموسيقى ، القطة النائمة ، الشمس
الدافئة ،رائحة المخبوزات من حولى .
القطة بدت هادئة واستسلمت للنوم بجواري ،أريد سؤالها ألا
تؤرقها الأفكار حول رحيلي من المكان ،ألا تخاف من عدم وجود فرصة أخرى للاستمتاع .
بدت هادئة مخلصة فى استمتاعها .
المنضدة المجاورة صاخبة ، الأبوان فى حالة انشغال تام
بإضحاك الصغيرة الباكية .أفكر فى صغيرتى وكيف يبدو تفاعلها مع درس الموسيقى اليوم
، وهل تراودها الأسئلة حول لماذا لم تدخل أمى إلى الدرس ولماذا جاء أبى معنا هذه
المرة ؟!
أهرب إلى القطة الصغيرة وهدوئها الأخاذ. أراقب المنضدة
المجاورة فأكتشف أنهم رحلوا .
أنظر فى الساعة لأراقب كم تبقى من الوقت .أهرب إلى لون
الكراسى المبهجة ،تمازج البرتقالي والتركواز مبهج ، فنجان القهوة أنيق والقطة ما
زالت نائمة .
أفكر فى صحبة دافئة ،أرسل رسالة لصديقتى لأخبرها أننى
أفتقدها فى هذا المكان ،فى الحقيقة جل ما أفتقده هو نفسي .
فى الآونة الأخيرة لا مكان للصداقات دون الصغيرة دائما
ما تزاحم الجلسات ،أراقب ما تفعل ،أخاف أن تسكب فنجان القهوة أو ترسم على الكنبة
أو تصطدم بالأشياء .أخترع أماكن جديدة للخروج مع الصديقات لكن تلك الأماكن تخوننى
وتصادق سلمى وتلفظ صداقتى .
منذ أسابيع أتاح لى القدر نصف ساعة من الوحدة ـ قررت أن
أنزل من السيارة وأسير فى شوارع وسط البلد ،بدا ميدان طلعت حرب جميلا دافئا مرحبا
بي . كان الجو مائلا إلى البرودة والشوارع فارغة وأيس كريم العبد لذيذا ومثيرا
للذكريات ،قررت أن أخلص لللحظة وأستمتع بوحدتي وأتأمل واجهات المحلات وأخلو لنفسي
وأنسى أمومتى . تقع عيناي على ذلك
الديناصور المسمى "بارني" فى شكل حقيبة حضانة ،لمعت الفكرة سريعا – كم ستبدو
سلمى سعيدة عندما تذهب للحضانة لأول مرة وعلى ظهرها بارني.
لم يكن معى فى الحقيبة سوى ثمن الديناصور وبضع جنيهات
أخرى ،ذهبت لشرائها برضا تام ،استنفذت طاقتي فى الفصال مع البائع .
أفكر فى أنه كان من الأجدر أن أحضر معى كتاب فى ذلك
المقهى فمنذ وقت طويل لم أستمتع بصحبته .
أفيق من تأملاتى وأنظر للساعة وأتلفت حولى لأجد كل رواد
المقهى رحلوا وتركوني فى صحبة نفسي وفنجان قهوة بارد ومقلمة مبهجة وقطة نائمة .