حلم ما زال ممتدا
يسحرنى دوما طعم تحقيق الحلم ، أن تحلم ، وأن تكون لديك القدرة على تحقيقه شىء مبهر بالنسبة لى .. منذ تسع سنوات حلمت أن أفرق فى حياة أحد ، ان يفرح أحدهم لوجودى ، أن أساعد طفل على نطق الكلمة الأولى ، أن أؤثر فى ذاكرته وأصنع مشهدا مغايرا للواقع الأليم .
كانوا أجمل مما توقعت عشر بنات من إحدى دور رعاية الأيتام ، كنت ابنة الثامنة عشر أمثل دور الأم لأطفال فى السادسة من عمرهم . هناك التقيت بعلا صديقة تعرفت عليها وكان لديها نفس الحلم .. أن تفرق فى حياة أحدهم .
كنا فى الجامعة وكانوا يخطون أولى خطواتهم فى الصف الأول الإبتدائى ، ما زلت أذكر اليوم الأول فى الدراسة ، شكل شنط المدرسة والمريلة ، ونصائحنا لهم ، كنا نتعلم دور الأمومة .
ظللنا هكذا إلى أن أصبحوا فى الصف الأول الإعدادى ، كنا نذهب بشكل شبه يومى ، نقضى وقتا هناك ، نذهب معهم إلى المدرسة ، ندافع عن حقوقهم ضد المدرسين السخفاء ، نتشاجر مع الإدارة ، نتشاجر مع المشرفات ، نحلم معهن بيوم زواجنا وزواجهم .
كنت أفضل أن ألعب دور الأم ، بينما علا كانت تمثل دور الأب ، الأب الحازم الذى يخافون منه ويحبونه ، بينما كنت ألعب دور الأم الساذجه ، كنت طالبه بقسم علم النفس أؤكد علي طرق التربية الصحيه وألعبها معهم .
ما زلت أتذكر يوم أن مرضت سامية وذهبت بها إلى أبو الريش ، كنت أجلس معها كأم ، كنت أتحدث مع الأمهات الجالسات منتظات دورهن فى الكشف ، قلبت خاتمى الذهبى دبلة ووضعته فى يدى اليسرى حتى لا تحرج البنت وتشعر بأنها مثل باقى البنات الجالسات مع أمهاتهن .
ما زلت أذكر ذهابنا إلى المسرح بالعشر بنات ، وضحكنا وقلق أهلنا من وجودنا المكثف فى الملجأ .
ما زلت أذكر نورا عندما اكتشفنا وهى فى السادسة من عمرها وتمارس بعض من اللعب الجنسى مع رفيقة تكبرها ، وخوفها من علا بعد أن ضربتها بشدة ، واعتراضى على اسلوب الضرب ، وأخذها فى كافيتريا لنتحدث سويا ، كنت ساذجة ولا أعرف عن ماذا سنتحدث ، لكننى كنت أدرك أهمية أن نتحدث .
ما زلت أذكر سماح وشعورها المضاعف بالأمان معى ، كانت الأضعف فى المدرسة ولديها صعوبات تعلم رهيبة ، كنا نجلس بالساعات لنذاكر ، إلى أن أفقد أعصابى وأتهور وأزعق فيها وربما أضربها ، ثم أحتضنها بشدة واعتذر .
ما زلت أذكر يوم كنت أصلى وأنا فى وضع السجود كانت تسجد بجوارى وتضع يديها فوق يدى .. فقط لتشعر بالأمان .
يا الله كم تذكرت كل ذلك وأكثر منذ الأمس عندما قررت أن أستعيد علاقتى التى أصبحت شبه مقطوعه بهن .. تقتصر على الأعياد والمناسبات الخاصة .
ما زالت علا تذهب رغم عملها ، تغيب لشهور ثم تذهب فجأة لتكمئن عليهم ، ما زالت تذهب فى ليلة الدراسة ، لتشرف على ملابسهن وحمومهن .
البنات كبرن الآن ، أصبحن فى الصف الأول الثانوى .. أبلغتهم علا خبر طلاقى ، ذهبت إليهم مشتاقه إليهن ، لم يفعلن كما سابق عندما أغيب عليهن فيؤنبننى بالكلمات ، احتضنتنى نورا أجمل حضن منذ ستة شهور ، ربتت جيهان على يدى ، وبنضج غريب قلن " عامة لازم تبقى تيجى بانتظام " ، تحدثت مع صابرين وكنت أريد أن أحكى لها بالذات كسرة قلبى ، كنت سأحكى لها كل شىء ، وكانت ستفهم .. لكننا جلسنا لنثرثر ونتذكر أيام زمان .
قلن لى أننى الأطيب وأنهن كن يضحكن بشدة عندما أتعصب وأمسك العصاية لأننى كنت أمسكها بطريقة خاطئة ، وكنت أبدو مضحكة أكثر من مخيفة .
لم تتحدث إحداهن عن طلاقى ، قالت لى علا أنهن حزن بشدة ، وتراوحت الآراء ما بين مؤيد ومعارض ، لكنهن فرحن لأننى سأعود وحزن لكسرة قلبى .
وعدتهن اليوم ألف وعد أن أذهب أسبوعيا ، وأن أجلس معهن .. وأن أقوم بتحمير البطاطس كما سابق ، وأننى سأسمع قصصهم مع من يحبون ، وعدتهم وأظننى سأفى .. سأفى بالحلم الذى حلمته وما زال ممتدا فى الأفق.